منظومة "مسـار" تزيحُ الستـار
عبد الفتاح الزهيدي
الجمعة 31 يناير 2014 - 21:00-
الكل تابع الغضبة الملكية على قطاع التربية الوطنية من خلال خطاب 20 غشت
الأخير، وذلك عند توجيه جلالة الملك تشريحا نقديا قويا لبعض اختلالات المنظومة
التعليمية(القطائع في السياسات التعليمية للحكومات، عدم الإشراك، عدم ربط التعليم
بالتنمية، المقاربات السياسوية الضيقة، ضمنيا، غياب القيم والأخلاقيات الوطنية
والمهنية...)، لكن، في تقديري، من بين الأسباب الرئيسية لفشل التعليم بالمغرب كذلك،
هو الفساد الإداري والمالي المستشري في القطاع منذ عقود، ولا أحد تقريبا يتحدث عنه
بالجدية اللازمة؛ حيث إن نجاح أي إصلاح تعليمي رهين بشكل كبير بقيادة إدارية كفأة
ونزيهة ومواطنة (مركزيا، وجهويا، وإقليميا، ومحليا)، وبالصرف الحقيقي للاعتمادات
المالية المخصصة للقطاع (المشاريع البيداغوجية واللوجستيكية والاجتماعية للعرض
التربوي: بنايات، تجهيزات، خدمات، إطعام...). زد على ذلك غياب تواصل القائمين على
الشأن التربوي مع مختلف الشركاء. وعليه، سنحاول في هذه المقاربة، التطرق إلى بعض
مظاهر الفساد في قطاع التربية، ما رشح منها فقط، وما خفي سيكون أعظم بالتأكيد
نشير إلى أن العامل الأساس في إثارة الحراك التلمذي هو غياب تواصل القائمين على
الشأن التربوي مركزيا وجهويا وإقليميا مع مختلف الشركاء: إدارة تربوية، هيئة تدريس،
جمعية الآباء والأمهات، ... تعريفا بالمشروع وإقناعا بجدواه وطلبا لاقتراحات، إن لم
تكن تقنية فعملية تضمن سلامة التنزيل. تواصل يفيد على أكثر من مستوى، فهو من جهة
يُمَكن الشركاء من المواكبة والوقوف على واجهات اشتغال الجهات المسؤولية وتقدير
الجهد المبذول وتثمينه ومباركته، ويضمن التعاون والانخراط الإيجابي في المشاريع
والمخططات المعتمدة عوض رفضها على أساس قاعدة: الانسان عدو ما يجهل.
الآن، وقد أخذت المؤسسات الثانوية ; التأهيلية تغلي تضطر الوزارة الوصية في شخص كاتبها العام لتخاطب الشعب من خلال وسائل الإعلام مطمئنة الجميع أن منظومة "مسار" لا تهدد مصلحة التلاميذ، وأبرقت إلى الأكاديميات التي أعلمت بدورها النيابات الإقليمية أن تنظم لقاءات توضيحية مع مديري الثانويات ورؤساء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ، وتشكل لجانا من رؤساء المصالح الإقليمية وهيئة المراقبة التربوية تجوب الثانويات قصد التهدئة وامتصاص غضب التلاميذ.
عامل ثان أسهم في إشعال فتيل الغضب التلمذي، لا يقل أهمية عن غياب التواصل وتكريس ثقافته، يتعلق الأمر بجدولة العطل التي أثارت نقاشا كبيرا منذ بداية السنة الدراسية الجارية ولم تستجب الوزارة التي أخذتها العزة بعدم الاعتراف بالخطإ، وبالضبط عندما غيبت العطلة البينية الفاصلة بين الدورتين، مما قد يجعل الدورة الأولى أطول دورة ربما في تاريخ السنوات الدراسية كما عبر عن ذلك أحد الباحثين. فكيف سيتصور التلميذ الذي صدم هذه السنة بقرارات الوزارة العشوائية في العطل حين انتهى من مقرر الدورة الاولى، و دخل مباشرة الى مقرر الدورة الثانية، دون استراحة محارب، كيف له أن يتصور تلك النقطة التي كانت بيد أستاذه ستمر اليوم من مراحل عدة، و ما قد يشوب ذلك من أخطاء تقنية قاتلة_ كما وقع في الكلية_، ستعصف به، و بأمله في الدراسة بعد البكالوريا؟ والأدهى والأمر في كل ذلك، هو أن وقت تسليم نتيجة الدورة الأولى قد يمتد إلى شهر أبريل بعد البث في إعادة تصحيح النقط؟! ولو تواضعت الوزارة وراجعت الجدولة ومكنت المتعلمين من عطلة بينيةـ هي نفسها التي برمجت بمناسبة رأس السنة الميلادية والتي كانت ستتزامن مع عطلة المولد النبوي. لوفرت للإدارة الوقت لمعالجة النتائج ولتوصل المتعلمون بنتائجهم خلال العطلة، ولما تأخرت عملية المسك، وبُرر التأخير باعتماد منظومة جديدة "مسار".
إن كلمة "مسار" حطمت كل أرقام غيرها من المنظومات والمفاهيم في الحقل التربوي من حيث الاستعمال والتداول. والغريب أن أغلبية التلاميذ الذين يخوضون احتجاجات ضد اعتماد المنظومة لا يعرفونها أو يختزلونها في كونها آلية لاحتساب المعدلات الدورية ستحرمهم من امتيازات تتلخص في الاستفادة من عطف الأساتذة في نهاية الدورة، وهو الأمر الذي لا تسمح به ـ حسب فهمهم ـ المنظومة، فلا عجب أن يرفع التلاميذ في بعض المدن شعارات من قبيل: " هذا عيب هذا عار، الكُسالى في خطر" و " التلميذ يريد إسقاط مسار"...
خرج التلاميذ فعلا، هذا الخروج أعاد إلينا ذكريات دفينة في التاريخ، في زمن مشاركة التلاميذ في الحركات الاحتجاجية، فالحركة الطلابية في مغرب ما قبل الاستقلال كان يقودها تلاميذ جامع القرويين وثانوية مولاي يوسف، على اعتبار عدم وجود مؤسسات عصرية في ذلك الوقت بالمعنى المتعارف عليه اليوم، كما أن الأحداث المتأججة التي عرفها مغرب ما بعد الاستقلال شارك فيها التلاميذ بنصيب وافر، وكان منهم معتقلون سياسيون بصموا أسماءهم بمداد ذهبي في تاريخ المغرب المعاصر.
إن هذه الصرخة التلاميذية ألجمت بعض الأصوات التي كانت تقول إن تلاميذ اليوم بعيدون كل البعد عن الأمور الخاصة بشؤونهم الاجتماعية، ومنعزلون كثيرا عن محيطهم، كما أنهم يفتقدون إلى التصورات السياسية التي تجعلهم قادرين على مناقشة أحداث بلدهم، خاصة في التعليم، فقد حصرت هذه الأصوات التلاميذ في الاهتمام بسفاسف الأشياء، كاهتمامهم بعالم الصورة، والموضة، والانجرار وراء الأحداث الصاخبة التي تقع في العالم: البارصا والريال، ومهرجانات الموسيقى العالمية...، لكن خروجهم اليوم، واحتجاجهم بطريقة مثيرة، يشي بأن لتلاميذنا وعيا كبيرا يجعلهم قادرين على المساهمة في تأثيث المشهد الوطني بقوة، فلا يمكن أبدا اعتبار هذا الخروج مجرد نزوة عابرة وإنما هو إدراك واع في أنهم مسوا في خبزهم، وبطبيعة الحال فأي شعب مهما كان، إذا مس في خبزه ثار، وأصبح نارا.
صرخة لم تكن في حسبان القائمين عن الشأن التربوي، وجاءت مفاجئة كغيرها من الهبات الشعبية. وإن كانت تفتقد إلى مصوغات ومبررات معقولة من حيث الجوهر، إلا أنها أزاحت اللثام عن مجموعة من الاختلالات التربوية، وفي الشق التقويمي تحديدا ستفرض هذه الصرخة (أو هذا الحراك) تسليط الضوء عليها ومعالجتها.
فإذا كان "مسار" منظومة تدبير التمدرس في أفق رقميته والارتقاء به تسهيلا لتتبع المسار الدراسي للمتعلمين وتمكين أسرهم وذويهم من مواكبة أدائهم مواظبة وتحصيلا من خلال شبكة التواصل، فهو كذلك آلية لتسهيل مختلف العمليات الإدارية من تسجيل وإعداد اللوائح وانتقال وبناء استعمالات الزمن واستصدار الشهادات المدرسية وتوجيه وغيره.
منظومة بهذه الخدمات وغيرها لن يُجادَل في جدواها ونجاعتها لضخ جرعات من الحيوية في جسم إداري يعاني من الشيخوخة في وثائقه: ملفات المتعلمين، كراسات النتائج الدورية نموذجين، لكن الإشكال. كما هي العادة. في شكل التنزيل الذي يتسم بغياب استشارة المعنيين وتحسيسهم وبالتسرع وفاء لروح البرنامج الاستعجالي.
إذا كانت المنظومة التعليمية تعاني من أمراض مزمنة لا تخفى على أحد، فإن الحراك التلمذي كشف اختلالات كبيرة ذات طابع إداري بالدرجة الأولى ترددت على ألسنة مناديب وممثلي التلاميذ في اللقاءات التواصلية الجارية لاحتواء الاحتجاجات تفاديا لتطورها إلى أعمال تخريبية تهدد سلامة المتعلمين ومرافق المؤسسات. من هذه الاختلالات المسكوت عنها رغم وجود مذكرات وزارية ضابطة لمجموعة من التدابير التربوية أو زاجرة لسلوكات لا تربوية:
1. عدم تفعيل المذكرات المحددة للفروض عددا وتوقيتا وبناء وتقويما: في المحصلة الإدارة في الغالب. تجنبا للتعميم. لا تحرص على احترام هذه المذكرات وتعتمد أسلوب الترضية حفاظا على السير العادي للعملية. والنيابة في شخص مصلحتها التربوية أو في شخص هيئة المراقبة التربوية خارج التغطية. والقاعدة المعمول بها هي: لا تبحث، لا تتحرَّ، ما لم يشتكِ أحد.
2. كثرة المواد وطول المقررات، فيصبح الهاجس هو إنجاز المقرر على حساب الاستيعاب الذي يترجم نتائج غير مُرضية.
3. غياب تكافؤ الفرص المطروح بإلحاح وعلى أكثر من مستوى:
ـ بين التعليمين العمومي والخصوصي.
ـ بين مؤسسات التعليم في الوسطين الحضري والقروي.
ـ بين أساتذة نفس الاختصاص داخل المؤسسة الواحدة من حيث الكفاءة والأهلية، ومن حيث طريقة التقويم بناءً للفروض وتصحيحا.
ـ إعطاء الساعات الإضافية المؤدى عنها خارج المؤسسات أو ما يصطلح عليه بـ"السّْوايْع".
4. الاكتظاظ الذي يفرغ العملية التعليمية من جوهرها التربوي وتستحيل عملية ضبط للمتعلمين حرصا على سلامتهم. الاكتظاظ الذي ألغى التفويج في المواد العلمية وحرم المتعلمين من تنمية مهارات الملاحظة والتجريب واكتساب المعرفة بالممارسة، فتحولت حصص المواد العلمية. مادة الفيزياء مثلا. لإملاء الخلاصات وعرض صور التجارب في أحسن الأحوال.
5. خصاص مَهُول في هيئة التدريس: النقص في هيئة التدريس هو القاعدة وبدرجات مختلفة، والشاذ هو توفر المؤسسة على النِّصاب الذي تحتاجه بنيتها التربوية من مدرسين ومدرسات. والغريب أن الخصاص كثيرا ما يطال مواد تخصص يمتد لشهور قبل أن يُستعان بغير صاحب الاختصاص سواء على مستوى المادة أو على مستوى السلك.
الحراك التلمذي وإن افتقر إلى المصوغات المعقولة إلا أنه أعاد إثارة اختلالات المنظومة التربوية ككل، وهو ما يقتضي الانكباب والعكوف وفتح حوار مجتمعي تشخيصا للمعضلات واقتراحا للحلول لتأهيل قطاع تُعقد عليه الآمال العريضة ليكون رافعة التنمية والتطور.
رسالة أخيرة حري بمن يُهمهم الأمر التقاطها هي وجوب الحذر وتفادي الاستخفاف بوعي الشعب. وقديما قيل: "من مأمنه يؤتى الحذِرُ".
*باحث في علم الاجتماع
Nos points forts : un lycée modèle | Par Enseignant |
Article : une journée pour la pédagogie | Par Enseignant |
Article : le respect de l'autre | Par Enseignant |
J'aime mon lycée : comment rendre la vie agréable au lycée | Par Enseignant |
Article : la journée internationale de l'environnement | Par Enseignant |
|
|
|