lycee Moulay Ismail

االثانوية التأهيلية مولاي اسماعيل الدار البيضاء

 Lycée Moulay Ismail Casablanca   

   

لتأهيلية م.إسماعيل -  الدار البيضاء.                                                   الأستاذ: الزهيدي عبد الفتاح

مادة الفلسفة

مجزوءة المعرفــــة

البـــاب الثانـي: الحقيـقـة

تقديم:

   يتحدد موضوع "الحقيقة" بوصفه محور البحث في الفكر الفلسفي ومفتاح المشكلات الذي ظل يقدم نفسه منذ نشأته (في القرن السادس ق.م) على أنه الخطاب الذي يؤدي إلى إدراك الحقيقة؛ ومنذ اللحظة اليونانية تحددت قيمة الفلسفة في كونها أداة البحث عن الحقيقة الذاتية للأشياء، أي عللها وماهياتها وجواهرها الثابتة والكلية، وذلك بالاستناد إلى العقل أو اللوغوس الذي رفع إلى مقام المبدأ المؤسس للوجود.

   من هنا إذن يكتسب الموضوع قيمته وأهميته، وتزداد تلك الأهمية عند استحضار اقتران الحقيقة بالإنسان؛ ذلك أن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إنتاج وإدراك الحقيقة وتداولها، وذلك ما يرفعه إلى مقام أسمى الموجودات. إن الحقيقة مفهوم معياري، والإنسان حينما يفكر أو حينما يتكلم فإنه يروم الحقيقة. غير أن تحديد الدلالة الفلسفية للحقيقة تعتبر إشكالية فلسفية مركبة، إذ ليس من السهل

ضبطها نظرا لتنوع المواقف حولها. هكذا نطرح السؤال التالي : ما هي الحقيقة؟

 

دلالات أولية:

 

غالبا ما يستند مفهوم الحقيقة في دلالته الشائعة على معيار أساسي هو معيار الواقعية. وهكذا يكون الحقيقي هو الوجود القابل للإدراك الحسي المباشر، أو القابل للتحقق الواقعي. إن هذا التمثل ليس خاطئا كليا ، ولا يبتعد كثيرا عن بعض التمثلات الفلسفية (المذهب التجريبي مثلا)، إلا أنه اصطلاح غير مكتمل. فمن الملاحظات التي يمكن أن تسجل عليه، أن الحقيقة ليست دائما واقعية أو مطابقة بشكل مباشر للواقع. فالحقيقة الرياضية – مثلا – برهانية، والإبداعات الفنية والأدبية الخيالية حقيقة، ليس لأنها مستمدة من

  1. الواقع ولكن لضرورتها الوجدانية.
    من الناحية اللغوية ، نجد  الجرجاني يحدد مفهوم الحقيقة فيما هو ثابت ومستقر ويقيني. تأخذ الحقيقة في هذا التعريف معنيين:  معنى لغوي ومعنى فلسفي أنطولوجي. فالثابت لغة هو المعنى الحقيقي ويقابله المعنى المجازي ؛ والثابت أنطولوجيا هو الجوهر وتقابله الصورة. وذلك ما يفتحنا على بعض التعريفات الفلسفي، ومن ابرزها التحديد الفلسفي مع الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند Lalande يحدد هذا الفيلسوف- في معجمه-  المعنى الفلسفي لمفهوم الحقيقة في خمس دلالات هي :

  2. الحقيقة هي خاصية كل ما هو حق.

  3. الحقيقة هي القضية الصادقة.

  4. الحقيقة هي ما تمت البرهنة عليه.

  5. الحقيقة هي شهادة الشاهد الذي يتكلم عما رآه أو ما سمعه

  6. الحقيقة هي الواقع.

 

وضعية الانطلاق:

   تبدو "الحقيقة" "Vérité" واحدة من حيث أنها رهان كل مجهود للمعرفة، وكل سلوك بشري عملي (أخلاقي تحديدا) بصفة عامة؛ غير أنها تأخذ تعبيرات وأوجها متعددة؛ فهي إما عقلية أو حدسية أو حسية، فطرية أو خارجية، ذاتية أو موضوعية؛ فضلا عن تعددها بتعدد المعارف والخطابات الحاملة لها (الدين، العلم، التاريخ، الفلسفة، الفن، الشعر، الأسطورة...).

   هذا التوتر بين وحدة مفهوم الحقيقة وتعدد أوجهها في الآن ذاته يجعل من الضروري تحديد وسائل للتمييز بين الحقيقة وأضدادها، بين الصدق والكذب وذلك في أفق بناء الحقيقة التي تستجيب لمطلبي الكونية والضرورة، وتصلح لأن تكون أرضية للتفاهم والحوار، بعيدا عن دوائر الانغلاق والأحادية. وذلك بالذات ما يهم الفلسفة في اشتغالها بمفهوم الحقيقة.

   إن القيام بذلك، سيضعنا في قلب نسيج من المفاهيم والتقابلات : كالحقيقة واليقين والبرهان والظن والواقع والعقل والمطلق والنسبي والمتغير والواحد والرأي والمنفعة والوهم ... الخ.

 يؤدي التوتر بين المفاهيم السابقة إلى عدة إشكاليات يمكن معالجتها انطلاقا من المحاور التالية :

I-                   الحقيقة والرأي

II-                معايير الحقيقة

III-             الحقيقة بوصفها قيمة

******

vالمحور الأول: الرأي والحقيقة

 ما العلاقة بين الحقيقة والرأي؟ هل تنفصل الحقيقة عن الرأي بوصفه مجرد أحكام ظنية لا ترقى لمرتبة اليقين ؟ أم أن الرأي جزء من الحقيقة ومصدر من مصادر تشكيلها؟ بعبارة أخرى، هل يمكن التعرف على الحقيقة عبر الرأي ؟

 

تعريف الرأي : اعتقاد ذهني ناتج عن معرفة انطباعية تؤدي إلى قبول قول معين وتداوله على أنه قول صحيح.

يوصف الرأي عادة بما يلي:

§         أنه معرفة عفوية ومرتبطة بالمحسوس والتجربة

§         أنه جزئي متغير

§         أنه يفتقد للبرهان اليقيني، ظني

§         معطى جاهز وانطباعي

§         يستمد قوته من تداوليته: شيوعه بين الجمهور

تنطبق هذه الخصائص على الرأي بالمعنى اليوناني، أي الدوكسا= Doxa والى هذا المعنى يعود أصل التعارض بين الرأي والحقيقة، يوصف الحكم بأنه حقيقي إذا كان :

- يقينا لا يحتمل الظن–––– برهاني

 

مثال للقضية الحقيقة :

- عقليا، ناتجا عن التأمل الخالص

 

- كل إنسان فان

- مبنيا، إما بالاستنباط أو بالاستقراء

 

- سقراط إنسان

- متعاليا عن المحسوس –––– مجردا

 

- إذن : "سقراط" فان

- كليا، يشمل عموم أجزاء الجنس

 

 

 

 

النتيجة: ثمة تعارض كلي مبدئي بين خصائص الحقيقة وخصائص الرأي. وهو ما دفع الفلسفة اليونانية إلى الفصل الجذري بينهما.

            ويتخذ هذا التعارض الحيز الأكبر في الأطروحة الأفلاطونية، التي تمثل البداية التأسيسية للفلسفة العقلانية (انظر أسطورة

            الكهف)، وهو نفس التصور الذي انبرت الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية ولتأسيسه للدفاع عنه.

 

v   أطروحة الفارابي :

    يرى الفارابي المعارف التي تقوم على مجرد بادئ الرأي هي معارف عامية متداولة بين الجمهور من عامة الناس، لا تعبر عن الحقيقة و قاصرة عن بلوغها، لأن الرأي الذي نركن إليه يكون ظنيا ومصدره هو الانطباعات والشهادات الحسية وما هو مألوف وشائع. في حين  أن البحث عن حقائق الأشياء يتطلب التخلي عن تلك المعارف، والأخذ بدل ذلك بالطرق العقلية البرهانية الخاصة لأنها هي الطرق الجديرة ببلوغ اليقين والمؤدية إليه على نحو ما هو موجود في العلوم الرياضية والطبيعية. وبهذا، يندرج الفارابي في إطار التقليد الذي سار عليه فلاسفة اليونان منذ أفلاطون وسقراط اللذين اعتبر أن بلوغ الحقيقة مشروط بالتخلي عن المألوف والسائد والمشترك، وبالتحرر من قيود العالم الحسي (عالم  الكهف).

.

v   أطروحة ليبنيز

   يرى ليبتز في سياق فحصه لطبيعة نشاط الفهم عند الإنسان، أن الرأي يمكن أن يكون مصدرا من مصادر الفهم والإدراك. فهو، على الرغم من خاصيته الاحتمالية، يقوم  بدور أساسي في مجال المعرفة؛ إذ يؤدي الانفتاح عليه إلى توسيع دائرة نشاط العقل البشري وتطوير إمكانيات البحث عن الحقيقة. وهو الأمر الذي يمكن القيام به في العلوم الإنسانية (التاريخ، القانون، السياسة...) لا بل حتى العلوم التي تقدم نفسها على أنها برهانية، وعلى رأسها علم المنطق الذي لا تسعف قواعده دائما على الحكم بشكل قطعي، مما يطرح إمكانية الاعتماد على الاحتمال كبديل مقبول. أما الاكتفاء بما هو يقيني خالص فإنه سيفضي إلى إسقاط العديد من المعارف وإلى تضييق دائرة النشاط المعرفي الإنساني.  وهنا يدلل ليبنتز بكوبرنيك الذي كان وحيدا في رأيه . إشادة ليبنتز بكوبرنيك تبين أن بالرأي الذي يفضي إلى الاحتمال له ما يبرره . وبالمثل، فإن ما يقدم على انه حقيقة يقينية تبين من خلال علم تاريخ الأفكار، أنه مجرد رأي يتمتع بسلطة وفرت له أسباب الرسوخ والتداول.

 

تركيب المحور :

يمكن النظر إلى مسالة الحقيقة والرأي من زوايتين :

§         الرأي كعائق للحقيقة وبالتالي ضرورة الفصل بينه وبين الحقيقة؛

§         الرأي كمصدر من مصادر الحقيقة وبالتالي ضرورة الانفتاح عليه في المعرفة.

 والحاصل أن الابستومولوجيا والفلسفة المعاصرة قد نحت إلى الاتجاه الثاني، إذ تعتبر أن الحقائق مصدرها أخطاء وآراء تم تصحيحها.

 

v   المحـور الثـاني : معـايـير الحقيقــة

   المعيار هو المقياس أو القاعدة التي نستعملها للتمييز بين الأشياء (مادي ) أو الأفكار والقيم (معنوي) أو الأفعال والتصرفات (عملي). وفي موضوعة الحقيقة، هي قاعدة التمييز بين الصدق و الكذب، وبين الصواب والخطأ في ما تأتلف منه المعارف والأفكار من قضايا وأحكام.  فمن أين تستمد القضايا صدقها؟ متى تطابق قضية ما "الحقيقة"؟ ما معيار التمييز بين الحقيقة وأضدادها من وهم وخطأ ونسيان؟ ما الذي يجعلنا نحكم على أن ما نحن بإزائه من أحكام وقضايا هو الحقيقة ؟

 

v   ديكارت واسبينوزا : معيار البداهة والوضوح الذاتي

·     تعريف البداهة : توصف قضايا معينة بأنها بديهية إذا كانت أولية بسيطة (غير مركبة) وواضحة بذاتها تتجلى للذهن على نحو واضح ومتميز ويدركها حدسيا دون وسائط عقلية (برهان) أو تجريبية.

·     تعريف الحدس : إدراك فطري مباشر يتم دفعة واحدة و فجائية غير منتظرة، دون االلجوء لأية واسطة بين الذات المدركة والموضوع المدرك، والحدس يختلف عن التحليل والتمثل الذي يقوم على الاتصال غير المباشر بالموضوع المدرك.

·         الاستنباط : إدراك غير مباشر بالأشياء يقوم على الاستدلال وتركيب القضايا وفق قواعد منهجية.

  انطلاقا من ممارسته للشك في كل معرفة يكون مصدرها الحواس أو الوسط الخارجي، انتهى ديكارت إلى استخلاص معيار اليقين في المعرفة: فلا يكون حقيقا إلا ما أدركه العقل بالحدس أولا، وكان بديهيا وواضحا بذاته، أو عن طريق الاستنباط وكلاهما متكاملان ويقودان إلى الحقيقة.

   إن الحقيقة إذن تحمل دليلها في ذاتها، وبحسب عبارة اسبينوزا : "الحقيقة معيار ذاتها كالنور يعرف ذاته وبه يعرف الظلام" وهي لا تحتاج إلى معيار خارجي لإثباتها، بل هي تشير إلى نفسها بنفسها وتوضح نفسها.  يرفض اسبينوزا أن يكون معيار الحقيقة من خارجها، فمَن ذا الذي يكون دليلا ومعيارا على الحقيقة التي هي نورٌ يفرض ذاته على كل من رآه. إن الحقيقة تدع في نفوسنا يقينا بصحتها بشكل لا يقبل الشك ولا يحتاج إلى التبرير أو البرهان، إنها بداهة ثابتة غير قابلة للتكذيب مادامت كل فكرة صحيحة تحمل يقينها وصحتها في ذاتها. يقول اسبينوزا: "ما هو الشيء الذي يمكنه أن يكون أشد وضوحا وبداهة من الفكرة الصحيحة حتى يكون معيارا للحقيقة؟ فكما أنه بانكشاف النور

ينقشع الظلام، فالحقيقة أيضا إنما هي معيار ذاتها ومعيار للخطأ...إننا نعرف الحقيقة بالحقيقة".

 

v          أطروحة دافيد هيوم:

    

على خلاف موقف سبينوزا، يرى دافيد هيوم أن الأفكار التي يشتغل بها العقل البشري نوعان:


- الأفكار البسيطة؛ وهي تلك الأفكار التي تأتينا عن طريق الحواس مباشرة فتُنتج حقائق مادية حسية تجريبية واقعية.
- الأفكار المركبة؛ وهي الأفكار التي يُركبها العقل عن طريق الربط بين الأفكار البسيطة، مثل الأفكار الرياضية والهندسية والمنطقية (الكل أكبر من الجزء، مجموع زوايا المثلث 180درجة)، وتنتج حقائق عقلية صورية تجريدية. ومن ثم،  فالحقيقة حسب دافيد هيوم نمطان، حقيقة مادية ومعيارها التجربة الحسية (أي ملاءمتها لموضوعها في الواقع، مثال :الشمس تشرق غدا)، وحقيقة صورية عقلية ومعيارها العقل والبرهان (أي خُلُوُّها من التناقض، مثال: 9 =5+4=3+6).

 

v   أطروحة ليبنيز : من معيار البداهة إلى البرهان المنطقي

   في هذا الاتجاه يرى ليبنيتز أن : "هناك نوعان من الحقائق، حقائق تتعلق بالاستدلال العقلي، وحقائق تتعلق بالوقائع. حقائق الاستدلال العقلي حقائق ضرورية ونقيضها غير ممكن بل مستحيل، والحقائق المتعلقة بالوقائع هي حقائق محتملة ونقيضها ممكن". ويرى في هذا الإطار أن الحقيقة ليست موضع إدراك حدسي أو يقيني ذاتي محض وخالص، متوجها بالنقد إلى معيار البداهة والوضوح لدى ديكارت، ومؤكدا في المقابل على أن القضية – على اعتبار أنها ذات أساس احتمالي – لا تكون حقيقية وصادقة إلا إذا خضعت للبرهان المنطقي الذي يؤكد أنها خالية من التناقض المنطقي في صورتها وأنها سليمة في  مادتها.

v   أطروحة كانط

   إذا كانت الحقيقة هي مطابقة المعرفة لموضوعها، أي مطابقة الفكر للواقع، فهذا يعني أن حقيقة المعرفة تتوقف على محتواها والذي لا يمكن إخضاعه لمعيار كلي، لان الحقيقة تختلف باختلاف موضوع المعرفة، وبالتالي باختلاف الخطابات والمعارف؛ وحتى إن وجد هذا المعيار الكوني فإنه لا يتعلق إلا بصورة الحقيقة، أي بنيتها وتركيبها وشكلها، بمعزل عن محتواها؛ ويتمثل هذا المعيار في مطابقة الحقيقة للقواعد الصورية كما أنشاها المنطق الصوري الأرسطي، وعلى أساس هذه القواعد نقيم الانسجام بين المعارف أمام تعذر إيجاد معيار كوني للحقيقة يشمل صورتها ومادتها معا. وهذه القواعد هي : الخلو من التناقض المنطقي ومطابقة الواقع لبنية العقل ونظامه القبلي (المقولات).

 

v   المـحور الثالث : الحقيقة بوصفها قيمـة

لماذا تمثل الحقيقة قيمة مرغوبة فيها؟ ما الذي يجعل للحقيقة قيمة تجعل الناس يسعون نحوها لبلوغها ونيلها؟ و من أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ لماذا البحث عن الحقيقة؟ لماذا نعتبر الحقيقة أمرا مطلوبا وغاية مرغوبة؟هل لذاتها أو لمصلحة ما ؟ ألا   يمكن للفكر البشري أن ينفصل عن الحقيقة؟ هل ثمة حقيقة أصلا؟ أم مجرد أقنعة وأوهام متواطأ عليها لضمان استمرار حياة الكائن الإنساني؟

v   الأطروحة اليونانية :

   يعتبر التصور اليوناني الحقيقة كقيمة نظرية وأخلاقية. فهي قيمة نظرية باعتبارها مقصودة لذاتها. حيث  نجد أرسطو يعتبر الفلسفة الأولى بحثا عن المعرفة من اجل المعرفة (علم الوجود بما هو موجود) أي بحثا عن الحقيقة الخالصة، لذلك فهي أشرف من المعارف ذات الغايات العملية.  وهي ذات قيمة أخلاقية، كونها تستهدف تحقيق فضيلة النفس واستكمال إنسانية الإنسان ( تحقيق الإنسان الفاضل). وفي هذا السياق، يرى سقراط وأفلاطون أن أقوى مظاهر الفضيلة هو استخدام العقل وعدم الانسياق وراء كل ما يشل حركته (كالعواطف والأهواء).

v   أطروحة كانط :

   لا يبارح التصور الكانطي للحقيقة أرضية الفلسفة اليونانية، إذ يعتبر بدوره أن الحقيقة غاية في ذاتها، وبوصفها كذلك فهي مطلب واجب وضرورة كونية ومطلقة " تسري في جميع الظروف والملابسات" وليست حكرا على احد أو فئة دون أخرى، يقول كانط : "من مقتضيات العقل المقدسة والضرورية انه ينبغي على الإنسان أن يكون صادقا في أقواله حتى وان أساءت الحقيقة للذات ". ويعتبر الكذب في المقابل رذيلة يكون مرتكبها مخلا بالواجب الأخلاقي المطلق لأنه بمثابة إساءة للإنسانية جمعاء.

v   وليام جيمس التصور البراكماتي (النفعي):

   ينظر وليام جيمس إلى الحقيقة كقيمة عملية، فهي بمثابة وسيلة لتحقيق المنفعة، وما الأفكار إلا أدوات للعمل والانجاز ولا تكتسب صلاحيتها وقيمتها في ذاتها، بل بقدر ما تكون مطابقة للمصلحة وتسمح بالتأثير الايجابي المادي في الواقع وتغييره في الاتجاه الذي يحقق المردودية والمنفعة من وراء النشاط الإنساني ويسمح بتحسين الأداء والممارسة. فلا وجود لأية حقيقة متعالية ومعزولة عن مصالح الناس ورغباتهم، إنها مجرد وسيلة نستعملها من أجل بلوغ منافع واقعية مادية قابلة للقياس، وبتعبير و.جيمس: "إن امتلاك أفكار صحيحة صادقة يعني على وجه الدقة امتلاك أدوات ثمينة للعمل" .لذلك، فإن دور الفكر هو أن ينتج الحقائق التي تغير وجه العالم نحو الأفضل لا الاكتفاء بتفسيره و فهمه على نحو مجرد مثلما كان عليه الأمر في الفكر اليوناني ذي النزعة الميتافيزيقية.

v   أطروحة فريدريك نيتشه :

    إذا كان الفكر البشري (منذ ق. 6  قبل الميلاد حتى كانط وهيغل) قد حاول فهم تاريخه ومهمته على أنها بحث عن الحقيقة، وإذا كانت الفلسفة منذ نشأتها قد عملت على تأسيس اليقينيات الكبرى والماهيات الثابتة والكلية في مجالات المعرفة والأخلاق  والأديان والوجود الإنساني...؛  فإن نيتشه في مقابل ذلك كله يرى، من منطلق نقده الجذري لتشكلات الخطاب والفكر البشري، أن تاريخ الفكر والفلسفة ليس إلا تاريخا للوهم و الخطأ، على أن الوهم أخطر من الخطأ لأنه يصعب اكتشافه بسهولة نظرا لما يحققه من الرغبات الحيوية والنفسية للكائن. وقد تركز النقد الجذري (الجينيالوجي) عند نيتشه على تفكيك أصل الحقيقة وجوهرها البدئي مؤكدا على ان الحقائق  والمعاني التي منحها الفلاسفة مرتبة اليقينية، والضرورة، والكلية، هي مجرد أوهام ومجازات واستعارات وأقنعة نسينا أنها كذلك لكثرة استعمالها وتداولها كالقطع النقدية التي تمحي بصماتها فتصير معدنا لا غير. وإذا كان العقل البشري - اللوغوس- يدعي إمكان الوصول إلى الحقيقة المطلقة والموضوعية، فان ما عرفه ليس سوى حقائق وهمية وأخطاء  قاتلة وزائفة ومقلوبة تم تجميلها بلاغيا ولغويا لتصير ملزمة للجميع. ان ما نعتبره حقائق هو مجرد وسائل متواطإ عليها لكونها ملزمة لحفظ الحياة وجلب الفائدة وضمان شروط البقاء و السلم، أي إنها مجرد نتاج لعبة الصراع والقوة. كما ان القيم الأخلاقية التي تعتبر حقائق ومبادئ ومثلا عليا خالدة وكونية كالعدالة والصبر والخير والتسامح والطيبوبة والشفقة والإيثار... وتلك التي تعلي من شأن ما هو روحي وتحث على الزهد وكبت الغرائز.. مجرد شعارات تعويضية وهمية يثشبت بها الضعفاء والعبيد الذين تنعدم لديهم إرادة الحياة لدفع تسلط الأقوياء،  وبالتالي فتلك القيم هي من أكثر مظاهر "الانحطاط" و"العدمية" التي أصابت الإنسانية. ويجب لذلك طلب كل ما يزيدنا قوة (إرادة القوة هي القيمة الإنسانية جدا التي يتحقق بها "الإنسان الأعلى" عند نيتشه). إن قيمة الحقيقة يجب أن تكون مبنية على الغرائز وعلى الارتباط الجمالي بالحياة وعلى تثوير إبداعات الجسد، وليس على كوابح العقل والمنطق كما أسس لها سقراط وأفلاطون، الذين أحدثا طلاقا بين الحياة والفكر.

تركيب المجزوءة :

مــا المعرفــة ؟

   يصعب وضع تحديد جامع ومنسجم لمفهوم المعرفة؛ غير أنه يمكن القول أنها مثلت النشاط الأبرز الذي تم تمييز الإنسان الحديث به، ومن ثمة شكلت المعلم الذي حدد علاقته بالطبيعة من حوله.

   يفترض تناول موضوع المعرفة تداخل عدة أبعاد ومستويات يتجاذب فيها العقلي بالواقعي، والنظري بالتجريبي، الحتمي بالنسبي،الحقيقة باللاحقيقة، الذاتي بالموضوعي.

-          محددات المعرفة العلمية :

تتحدد المعرفة العلمية من زاويتين : العقل والواقع

    فالمعرفة من الزاوية الأولى، هي معرفة عقلية بالأساس، يأخذ فيها العقل دوره كمصدر أساسي في صياغة الفروض وتوجيه الأسئلة وبناء المفاهيم و إبداع النظريات التي يستطيع أن يتأكد من صحتها في الذهن بالنظر إلى مطابقتها لقواعده. فهو معيار لاختبار صحة النظريات والحقائق بفضل ما يتوفر عليه من أفكار ومقولات وقواعد قبلية. وهنا تكون المعطيات التجريبية تابعة للعقل.

   يمكن النظر إلى المعرفة من الزاوية الثانية لكونها نشاط يستهدف أصلا تفسير الواقع، لذلك تتحدد المعرفة من هذه الزاوية في كونها ممارسة مادية تجريبية يتم بمقتضاها تخطيط العلاقات العامة التي تحكم الظواهر الطبيعية. وهذا ما يعني أن العقل في المعرفة ليس معزولا عن الواقع ومكتفيا بذاته، بل متفاعلا مع المعطيات التجريبية، وهنا تصبح المطابقة للواقع هي ما يمنح المصداقية للمعرفة العلمية.

   لا يمكن فهم العمل العلمي وإدراك قيمته الابستمولوجية إلا في ضوء العلاقة الجدلية بين العقل والواقع ؛ فلم يعد الواقع هو الذي يتحكم في زمام العلم (التجريبية الساذجة) كما لم يعد العقل مصدرا مغلقا للعلم (العقلانية الوثوقية المغلقة).

 

الثانوية التأهيلية م.إسماعيل -  الدار البيضاء.                                                   الأستاذ: الزهيدي عبد الفتاح


Les Articles les plus lus

Nos points forts : un lycée modèle Par Enseignant
Article : une journée pour la pédagogie Par Enseignant
Article : le respect de l'autre Par Enseignant
J'aime mon lycée : comment rendre la vie agréable au lycée Par Enseignant
Article : la journée internationale de l'environnement Par Enseignant

LES DIFFERENTES SECTIONS

Sciences maths


Avec ses morceaux de poulet grillé, ses copeaux de parmesan et ses croûtons,

Lettres modernes


Avec ses morceaux de poulet grillé, ses copeaux de parmesan et ses croûtons,

Sciences physiques


La salade de riz est un plat complet et savoureux, à base de riz, de thon et de crudités.

Sciences humaines


La salade de riz est un plat complet et savoureux, à base de riz, de thon et de crudités.

Sciences de la vie et la terre


La salade de riz est un plat complet et savoureux, à base de riz, de thon et de crudités.

Autres activités


La salade de riz est un plat complet et savoureux, à base de riz, de thon et de crudités.

Liens pratiques, L.M.I.C. ,
Situation du Lycée
lycee

L.M.I.C. sur les réseaux sociaux

Informations générales