لتأهيلية م.إسماعيل - الدار البيضاء. الأستاذ: الزهيدي عبد الفتاح
مادة الفلسفة
مجزوءة الوضع البشري
تــقديـــم المـجـزوءة
الوضع البشري هو كل يحصر الذات الإنسانية داخل هذا الوجود، أي كل ما يحيط بالذات الإنسانية من عوامل وشروط تحددها وضعا وجوديا معينا .
تهدف دراسة هذه المجزوءة إلى إدراك ما يتسم به الوضع البشري من تعقيد وتركيب وتداخل، ذلك أن وضع الإنسان في الوجود تتداخله عدة عوامل ومستويات منها:
- ما هو ذاتي: يتعلق بالإنسان كشخص محدد بالوعي والتفكير والحرية، فهو يستطيع بفكره وإرادته أن يفرض ذاته ووجوده وقادر على اختيار وضعه البشري.
- ما هو موضوعي تفاعلي : يتحدد في علاقة الذات بالذوات الأخرى وما تتضمنه من تأثير متبادل مع الغير، فالذات توجد منذ البدء في العالم إلى جانب الآخرين . وهذا الوجود مع الغير هو ما يمنح الأنا وعيا بوجودها كذات، وهو ما يضفي على الوجود البشري بعدا إنسانيا كونيا .
باتخاذه لهذين البعدين، الذاتي والعلائقي، يبدو الوضع البشري ذا طابع مزدوج ومركب يتراوح بين وضعية خضوع الإنسان لشروط ومحددات موضوعية تتسم بطابع الضرورة والحتمية، تجبره على العيش داخلها، ووضعية القدرة على تجاوز هذه الضرورات واختيار نمط خاص بالذات في الوجود بفضل الوعي والتفكير والإرادة والتفاعل الحر والواعي مع الأخر والمحيط .
v موضوعات المجزوءة :
تمثل موضوعات: الشخص والغير، على التوالي، البعدين الثنائيين السابقي الذكر للوضع البشري، إذ يمثل موضوع الشخص البعد الذاتي، بينما يختص موضوع الغير بإبراز البعد التفاعلي.
v البناء الإشكالي للمجزوءة :
- الإشكالية العامة :
ما حقيقة الوضع البشري للإنسان ؟ ما محدداته ؟ وما خصائصه ؟
- الإشكاليات المحورية :
- الشخص : كيف يتحدد الوضع البشري للإنسان بوصفه شخصا ؟
- الغير : كيف يتحدد الوضع البشري للإنسان في علاقته بالغير ؟
هل وجود الإنسان محكوم بالضرورة والحتمية، أم مفتوح على الحرية ؟
مجزوءة الوضع البشري
الباب الأول:الشخص
مقدمة: دلالات المفهوم
يدل مفهوم الشخص على الكائن البشري فقط، ولا يمكن توسيع دلالاتها لتشمل كائنات أخرى غير البشر، فالشخص حصرا وتحديدا هو الإنسان.
لمفهوم الشخص دلالات متعددة، ففي اللسان العربي تعني الظهور والبروز والارتفاع. أما في اللاتينية فتعني القناع persona الذي يضعه الممثل ليظهر به أمام الناس مخفيا وراء ذاته.
أما من الناحية الفلسفية، فهو مفهوم يدل على الإنسان بما هو ذات واعية وعاقلة، وقادرة على التمييز بين الخير والشر، وبين الخطأ والصواب، الصدق والكذب..وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها. وهنا ينبغي التمييز بين الشخص والشخصية، فالشخصية تشير إلى الصفات والسمات النفسية التي تميز كل فرد عن غيره من الأفراد ( انطوائي، اجتماعي، هادئ،...)، وهذا يعني أن هناك من الشخصيات بقدر ما هنالك من الأفراد، بل إن شخصية الفرد قد تتغير وينقلب حالها. لكننا نجد في المقابل أن الناس جميعهم لا يختلفون في كونهم أشخاصا، إنهم أشخاص بحكم أنهم يتميزون عن الكائنات الأخرى بما يمتلكونه من فكر ووعي وحرية وإرادة. وهذا يعني أن كل واحد يتوفر على هوية شخصية تخصه، أي أنه يدرك نفسه كذات مطابقة لنفسها رغم التحولات التي تطرأ على شخصيته.
الحديث عن الشخص بالمعنى الفلسفي يحيل على ذلك الجوهر الذي يحدد الشخص هويته، هوية تتسم بالوحدة والكلية والثبات، مما يضمن وحدة الشخص وتماسك ذاته وانسجامها، ويكسبه في نفس الوقت مكانة وقيمة تتأسس على ما يتوفر عليه من قدرات عقلية ومن مقومات أخلاقية واجتماعية.
ثم إن الشخص بالرغم من وعيه بهويته ومهما علت قيمته وسمت مكانته، يظل مشروطا أيضا بمجموعة من المحددات والعوامل الموضوعية التي تؤثر في وعيه بهويته، كالضرورات النفسية والبيولوجية التي تتعلق به كفرد ذو كيان نفسي ومادي، أو تلك التي تتعلق بالمحيط والمتجسدة في الواقع الخارجي . فهذه العوالم والشروط تجعل الكائن البشري يدرك حدود حريته وقدرته على الفعل والاختيار.
إشكاليات المفهوم:
تنشأ عن المعطيات السابقة التساؤلات والإشكالات التالية:
أ - مــا الشخص ؟
ب - هل الشخص ذات حرة تحدد وضعها البشري وتختاره بإرادة حرة وواعية ؟ أم انه خاضع لشروط وضرورات اكبر من إرادته ووعيه ؟
يمكن معالجة هذا الإشكال من خلال التساؤلات المحورية التالية :
- المحور الأول : ما الأساس الذي يستمد منه الشخص وحدته وهويته؟
- المحور الثاني : ما الأساس الذي تقوم عليه قيمته الشخص؟
- المحور الثالث : كيف يمكن التوفيق بين خضوع الإنسان للضرورة ومجاوزتها في الآن ذاته ؟
--------------------------------------------
v المحور الأول: الشخص والهوية
يمر الفرد في حياته بذكريات وأحداث كثيرة تجعله يتغير باستمرار، حيث تعرف أفكاره وتجاربه نموا وتطورا كبيرين، و تعتري شخصيته تحولات كبيرة ( ان الطفل الذي أتذكره يختلف عني الآن الى درجة لا أكاد أتعرف على نفسي فيه). لكن رغم كل ما يحصل من تغيرات تمس كيانه فإن هذا الطفل هو أنا بالتأكيد. وهذا يعني أن الفرد يدرك وحدة شخصه وتطابقه مع ذاته . فمن أين يستمد المرء إدراكه لنفسه ؟ على ماذا تتأسس هوية الشخص ؟ هل على الوحدة والتطابق ؟ أم على التغير والتعدد ؟
- أطروحة ديكارت: (تحليل النص)
- تحديد الموضوع والإشكالية :
يتناول هذا النص المقتطف من كتاب " تأملات ميتافيزيقية" لديكارت مفهوم الأنا المفكرة وعلاقتها بهوية الذات الإنسانية، وذلك من زاوية إشكالية خاصة يمكن التعبير عنها في التساؤلات التالية :
- ما الأنــــا ؟ وما صفاتها وخصائصها ؟
- ما الفكــر ؟ وبأي معنى يشكل جوهر الذات وهويتها ؟
- التحليــــــــل:
- الأطروحة: تتلخص أطروحة ديكارت حول هوية الذات في اعتبارها جوهرا مفكرا يتحدد بالوعي والعقل والإرادة ويتميز بالوحدة والثبات.
- تحليل الأطروحة :
ينطلق النص من تقرير مقدمة أساسية هي أن هوية الإنسان تتوقف على كونه أنا مفكرة، يتميز كشيء موجود وجودا واقعيا، متسائلا حول دلالة الفكر؟ التفكير حسب ديكارت هو صفة فطرية من صفات النفس، يتمثل عبر مجموعة من العمليات الذهنية والنفسية (الشك – التصور- الفهم .. ) ومن مجموع هذه العمليات تتشكل وحدة الذات وتدرك نفسها كأنا بوضوح وشفافية وتثبت وجودها كحقيقة بديهية وثابتة .
- المفاهيم : ترتبط أطروحة النص أساسا بمفهومين فلسفيين رئيسيين اثنين :
- الأنـــــا : الجزء الذي يدل على وعي الذات لنفسها وإدراكها بحقيقتها الثابتة والمستقلة
- التفكير : نشاط عقلي مجرد مكتف بذاته ومستقل تماما عن الجسم والحواس وظيفته الوحيدة هي التأمل في الذات والعالم عبر مجموعة من العمليات في مقدمتها عملية الشك كخطوة منهجية لبلوغ اليقين .
الأنا والفكر متلازمان عند ديكارت لأن الأنا يدرك نفسه في فعل التفكير، وهذا الأنا ا لمفكر le cogitoهو جوهر ثابت.
- البنية الحجاجية للنص :
يتميز النص ببنية منطقية استنباطية برهانية تبدأ بمقدمة عامة تعقبها استدلالات تنتهي إلى خلاصة/ نتيجة تطابقها. وما دام النص يميل إلى الإثبات والعرض، فقد استند ديكارت إلى توظيف بعض الآليات الحجاجية واللغوية :
- آليات منطقية : آلية التعريف : (تعريف الأنا – تعريف الفكر)
- آليات لغوية: حضور أسلوب التوكيد الذي يفيد الإثبات (إن، فبديهي أنني...)
- أسلوب الاستفهام: الذي يفيد الاستنكار الإثباتي " ألست أنا الآن ذلك الشخص...؟
- التسلسل المنطقي في عرض الأطروحة ( أي شيء أنا ؟............من هنا بدأت أعرف أي
شيء أنا بقدر من الوضوح والتميز)
وما يمكن استنتاجه من توظيف هذه الآليات هو تمكن ديكارت من الإجابة عن السؤال منطلق النص.
- القيمة الفلسفية للأطروحة الديكارتية :
تتجلى قيمة هذه الأطروحة في كونها تؤكد على أهمية الأنا وقدرته على ممارسة فكرية حرة ومستقلة وبذلك شكلت الفلسفة الديكارتية لحظة أساسية في تاريخ الفلسفة تمثلت في تأسيسها للفلسفة الحديثة، والتي رسخت مفهوم الذات الحرة والواعية منطلقا لفهم الذات ومعرفته العالم. إلا أن هذه الأطروحة، بتركيزها على الفكر المجرد والخالص كماهية للشخص تحصر هذا الأخير في بعده الميتافيزيقي، وهو بعد صار محدودا بالنظر إلى أبعاد أخلاقية واجتماعية وتاريخية تدخل في تحديد الهوية الشخصية، ومن ثمة لا يمكن حصر هوية الشخص في الأنا المفكرة لوحدها .
2- أطروحة جون لوك: (تحليل نص 2)
- موضوع النص وإشكاله :
يعالج هذا النص موضوع الهوية الشخصية في علاقتها بعنصر الشعور كأساس لهذه الهوية، مجيبا عن التساؤلات الإشكالية التالية :
- كيف يتحدد مفهوم الشخص ؟
- وما العلاقة بين الهوية الشخصية والشعور ؟ وبأي معنى يشكل الشعور أساس هوية الشخص؟
- التحليـــــــــــــل
- أطروحة النص :
يجيب النص عن إشكاله بأطروحة تتلخص في التأكيد على أن هوية الشخص، المفكر العاقل، هي نتاج تلازم الشعور أو الإحساس مع الفكر، فضلا عن ملكة ّالذاكرة كأساس يمنح الهوية الشخصية وحدتها وامتدادها.
- تحليل الأطروحة:
يرى جون لوك أن ما يميز الشخص هو الفكر والقدرة على المعرفة، بما في ذلك معرفة ذاته، ووسيلته لبلوغ ذلك هو الشعور باعتباره مجموعة من الانطباعات والإدراكات الحسية الناتجة عن نشاط الحواس، ونتيجة لهذا لنشاط يدرك الإنسان ذاته ويعي هويته المتطابقة التي تدل على أنه الشخص نفسه القادر على العودة إلى ذاته الثابتة رغم اختلاف الحالات الشعورية التي تمر منها ورغم اختلاف محتوى الإدراكات الحسية، يقول ج.لوك: " فعندما نسمع أو نبصر أو نشم أو نتذوق فإننا نعي ذلك نتيجة لقيامنا به". وهنا، يؤكد لوك التلازم الموجود بين الإحساس والفكر، فليس الفكر جوهرا مجردا عن الحس ومكتف بذاته، بل هو إدراك مرتبط بمعطيات الشعور ويترافق مع مختلف الإحساسات: " فلا يمكن للشخص أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر انه يدرك إدراكا فكريا " كما يقول لوك ، ودور الفكر هنا هو أن يجعل الإدراكات الحسية والعمليات الشعورية عمليات واعية ، ترتد إلى ذات واحدة ومتطابقة. يترتب على ذلك أيضا امتداد الوعي بالذات عبر الزمن، فرغم ما تمر به من ووقائع وذكريات عبر أزمنة متعددة ، تستطيع الذات بفضل دور ملكة الذاكرة، فضلا عن اقتران الفكر بالإحساس، أن تحافظ على وعيها بتطابقها ووحدة هويتها، بحيث تكون الذات الموجودة في الحاضر هي نفسها التي كانت في الماضي.
- المفاهيم: تقوم الأطروحة التي يقدمها هذا النص على المفاهيم التالية:
الهويـــــة : المبدأ الذي يجعل الشخص هو هو، وتتميز بخاصية الثبات والوحدة.
الإحساس : معرفة مباشرة للأشياء بواسطة الحواس
الفكـــــــر : نشاط عقلي لمعرفة الواقع عن طريق الحواس .
الذاكــــــرة: هي ملكة سيكولوجية تمكن من استحضار الوقائع والأفكار وحفظها في الذهن بما يضمن استمرار الماضي وإعادة بنائه.
يتحدد مفهوم الشعور أو الإحساس كمفهوم مركزي في النص ، وعن طريق الربط بينه وبين مفهوم الفكر من جهة، وبينه وبين مفهوم الذاكرة من جهة أخرى يتشكل لدى لوك تصوره عن الهوية الشخصية.
- البنية الحجاجية :
آليات منطقية : - آلية التعريف: ( تعريف الشخص )
آليات لغوية : - الــــــشرط : - وبما أن الوعي يرافق دوما احساساتنا ........فإن ذلك ..........................
- فحينما نسمع أو نبصر ..........................فإننا نعرف ذلك نتيجة لقيامنا به
استطاعت آلية الشرط أن تحقق علاقة تلازم منطقي بين جزئي العبارة، بحيث يكون الجزء الأول ( سؤال الشرط) مقدمة منطقية تقود إلى استنتاج جزء ثان ( جواب الشرط) يترتب لزوما عن المقدمة، مما يحقق للعبارة اتساقا منطقيا وبالتالي قوة استدلالية.
- القيمة الفلسفية لأطروحة النص :
تكمن قيمة أطروحة لوك في تجاوزها للفكر في مفهومه الميتافيزيقي المجرد لدى ديكارت ، وذلك حين عمد لوك إلى ربطه بالإحساس، لكنها بالرغم من ذلك ضلت حبيسة المنظور الجامد للهوية الذي يعتبرها صورة ثابتة واحدة .
استنتاج وتركيب المحور :
تكشف مسألة الهوية الشخصية عن طابعها الفلسفي الإشكالي من خلال انفتاحها على معطيات وعناصر مختلفة ومتباينة (الوعي، الفكر، الإحساس، الزمن، الذاكرة ،) وهو ما انعكس على مستوى تعدد التصورات الفلسفية، وما يمكن استنتاجه من مجموع تلك التصورات هو صعوبة اختزال الهوية في بعد واحد بسيط . وإذا كانت جل المواقف الفلسفية تكاد تتفق على استبعاد المحددات المادية أن تكون أساسا للهوية ( الجسد ، القناع ، الدور ...) حيث ربطت الهوية بالعقل تارة ( ديكارت )وبالإحساس تارة أخرى (لوك)، فإنها من جهة أخرى كرست مفهوما ثابتا ومنغلقا للهوية يقوم على الوحدة والتطابق، والحال أن الهوية، في النهاية، ليست معطى ثابتا جامدا جاهزا بل هي بناء حركي ينمو ويتطور عبر التفاعل مع محددات أخرى داخل كيان الإنسان وأخرى خارجية أخلاقية واجتماعية وتاريخية.
v المحور الثاني:الشخص بوصفه قيمة:
لقد قلنا سابقا أن الفرد البشري ليس مجرد كائن بيولوجي، وانما هو شخص، وهذا يعني أن له مكانة تميزه عن سائر الكائنات الأخرى، فما طبيعة قيمة الشخص ؟ ومن أين يستمدها الفرد بوصفه شخصا ؟
1- أطروحة كانط ( فلسفة الأنوار): (تحليل النص)
- موضوع النص وإشكاليته:
يتناول هذا النص إشكالية قيمة الفرد البشري من زاوية أخلاقية يمكن صياغتها من خلال التساؤلات التالية: بأي معنى يمكن تحديد قيمة الفرد البشري ؟ وما مصدر هذه القيمة وطبيعتها ؟
- التحليـــل:
- المفاهيم :
تنبني أطروحة النص على المفاهيم التالية: الكرامة – العقل العملي – الغاية – الإنسانية- المساواة - الحرية
كما تستند في بنائها إلى التقابلات المفاهيمية التالية:
غاية/ وسيلة؛ قيمة قصوى/ قيمة مبتذلة؛ كائن طبيعي/ شخص عاقل؛ قيمة أخلاقية/ قيمة نفعية.
عند تأمل هذه المفاهيم نجد أنها تنتمي الى معجم أخلاقي وتنطوي على طابع معياري تتبوأ فيه الكرامة مكان المركز، وهو ما يؤشر على أن قيمة الشخص قيمة أخلاقية تتحدد أساسا في الكرامة.
التقابلات المفاهيمية:
الشخص العاقل والأخلاقي |
الإنسان ككائن طبيعي |
ينتمي إلى مملكة الغايات غاية في ذاته حــــــــــــــر له قيمة مطلقة له كرامة ( ما لا يقدر بثمن ) = فضيلة يتصرف وفق أوامر العقل الأخلاقي( الواجبات ) يحتــــرم |
ينتمي إلى مملكة الطبيعة وسيلة او أداة خاضع للضرورة له قيمة مبتذلة يحدد بسعر يتصرف وفق قوانين الطبيعة يستعمل |
- الأطروحة:
يمتلك الإنسان قيمته انطلاقا من كونه ذاتا تتحدد بالعقل الأخلاقي العلمي، و تمثلها صفات الكرامة وما يترتب عنها من قيم المساواة والاحترام، وهو يمكنه من تجاوز منطق الوسائل والأشياء إلى الاتجاه الذي يجعل منه الكائن الوحيد الذي يمثل غاية في ذاته .
- تحليل الأطروحة:
يرى كانط أن امتلاك الانسان للعقل يرفع مكانته بين سائر الكائنات الأخرى الأرضية ويجعله يتجاوز نظام الطبيعة. ذلك أنه اذا كان الإنسان، منظورا إليه ككائن طبيعي، يتحدد بالغريزة والقوة والحواس وصورة الجسد ولا تحكمه في سلوكه إلا ضرورات النظام الطبيعي البيولوجي، فان ذلك يحول دون اعتباره شخصا، ويؤدي الى تشييئه أي تحويله إلى وسيلة او اداة للاستعمال لخدمة غيره او كبضاعة قابلة للتقييم المادي. فالاشياء أو الحيوانات من حيث أنها محرومة من العقل بإمكاننا استعمالها استعمالا مشروعا بوصفها وسائل، ولذلك نسميها أشياء.
في المقابل، فالكائن الإنساني بوصفه عاقلا و ذاتا تتصرف وفق قوانين العقل الاخلاقي (الفضائل و الواجبات) فيلزم عنه انه غاية في ذاته ، وانه قيمة مطلقة تتحدد في كرامته وتستوجب احترامه في شخصه وفي الأشخاص الآخرين، لأنها تعبر بهذا المعنى عن حريته وجوهر إنسانيته المطلقة. لذلك، لا يقبل أبدا أن نعامله بمنطق الأشياء لتحقيق أغراض معينة، فلا يحكم في تعامله مع نفسه أو مع غيره الميول والرغبات الغريزية والمصالح الخاصة، لأن هذا التعامل لا ينطبق إلا على الأشياء والموضوعات النفعية التي تحقق لنا الإشباع. في حين أن كرامة الشخص تمنعنا من اعتباره شيئا أو معاملته كوسيلة.
- الحجاج :
بالنظر الى الجانب الحجاجي للنص، نجد أن كانط قد اعتمد على أساسا على آلية حجاجية تتحدد في أسلوب المقابلة : المقابلة بين قضيتين تلخصان صورتي الإنسان بين الطبيعة والعقل الأخلاقي:
قضية 1 : الإنسان ككائن طبيعي ← قيمة مبتدلة ( معاملته كوسيلة : نتيجة سلبية ) ← قضية كاذبة
قضية 2 : الإنسان كذات عاقلة ← قيمة مطلقة ( احترامه : نتيجة ايجابية ) ← قضية صادقة
- كما نجد في النص استخدام أسلوب التفسير من أجل تحليل عناصر كل قضية وفحص نتائجها.
- هذا فضلا عن توظيف آلية التعريف : تعريف الشخص، الذي يفيد في تحديد مجال الأطروحة.
- التماسك المنطقي للنص بفضل اعتماده على روابط لغوية منطقية
2- أطروحة جون راولز المعاصرة: تحليل النص
- موضوع النص وإشكاله : يبحث النص في موضوع مكانة الشخص داخل المجتمع وفي علاقته بالنظام السياسي الحديث متسائلا عن مصدر تلك القيمة ومقوماتها .
- التحليل:
- أطروحة النص : تتحدد قيمة الشخص حسب راولز في كونه عضوا اجتماعيا له موقعه الكامل كمواطن يلتزم بالمشاركة داخل نظام المجتمع الديموقراطي، وفي قيامه بدوره في ترسيخ قيم الإنصاف والعدالة والخير وذلك استنادا إلى مجموعة من المعايير الأخلاقية والكفاءات العقلية والفكرية.
- تحليل الأطروحة :
يرى جون راولز انه إذا كانت العدالة هي الغاية المثلى التي ينشدها الفكر البشري منذ العصر اليوناني (عصر الميتافزيقا )، فان تحقيقها اليوم يتطلب بناء نظام اجتماعي محكم قائم على قيم الإنصاف والتعاون والخير ويستند الى إطار سياسي وقانوني يحدد الحقوق والواجبات، ويتيح لأفراده، في ضوئها، مجالا لممارسة أدوارهم وذلك على أساس مبدأ المواطنة الذي يجعل الأفراد مواطنين أحرارا واعضاءا متساوين وكاملي العضوية فيه.
وعلى ذلك، فبقدر ما يقوم به الفرد من أدوار، وبقدر مساهمته كمواطن وكفاعل اجتماعي في تحقيق قيم العدالة والخير يكتسب الشخص قيمته. غير أن ذلك يستوجب منه التوفر على كفاءات متعددة، عقلية (القدرة على الحكم والتفكير ) وأخلاقية ( حب الخير والإيمان بقيم العدل والإنصاف).
بهذا التصور الذي يجمع ما بين ما هو سياسي واجتماعي وأخلاقي، وبين ما هو فلسفي نظري يخلص راولز الى تحديد قيمة الفرد البشري في الحرية والمساواة والالتزام الاجتماعي، وذلك وفق مبادئ وقيم النظام الديموقراطي التي يقوم عليها المجتمع الليبرالي المعاصر.
- المفاهيم الأساسية :
تستند أطروحة النص إلى بنية مفاهيمية تتسع دلالات مكوناتها لتشمل ماهو سياسي قانوني، وما هو اجتماعي وما هو أخلاقي فضلا عن ما هو فلسفي:
- المواطنة – الحق والواجب – العدالة: ← معجم سياسي وقانوني
- المشاركة الاجتماعية – العضوية الاجتماعية: ← معجم اجتماعي
- المساواة – الحرية – الخير:← معجم فلسفي وأخلاقي
وهذا ما يفسر أطروحة النص لقيمة الشخص باعتبارها قيمة اجتماعية وسياسية وأخلاقية
- البنية الحجاجية :
يتميز النص بالتدرج والتسلسل في عرض أفكاره وذلك باستخدام روابط منطقية ولغوية مثل أسلوب الشرط والتفسير والاستنتاج.
- أسلوب الشرط:
- وباعتبار أننا نتموضع داخل تقليد الفكر الديمقراطي...........فإننا نسند إليهم الكفاءتين.....
- وعلى أساس توفرهم على هذه الكفاءات.......................فإننا نذهب إلى كونهم أحرارا وأندادا
يؤدي أسلوب الشرط وظيفة حجاجية أساسية في النص تتمثل في إضفاؤه لصلة استلزام منطقي بين المقدم والتالي، فتكون بين جزئي العبارة علاقة استنتاجية منطقية تفيد في بناء وعرض الأطروحة.
- أسلوب التفسير: كما في قوله:
- ونستطيع أن نفسر هذا التصور بالكيفية التالية................
- استخدام أدوات التفسير : أي......، وبهذا المعنى نقول.......
- ومن جهة أخرى كما تجدر الإشارة إلى استفادة راولز في تصوره من مبادئ الفكر السياسي الديمقراطي والنظام الليبرالي.
- القيمة الفلسفية للأطروحة :
تكمن القيمة الفلسفية للأطروحة في ارتباطها بالفلسفة المعاصرة التي تتميز عموما بتجاوزها للطرح الميتافيزيقي في تناولها لمفهوم الشخص ولمفهوم القيمة، وذلك بانفتاحها على معطيات الواقع الاجتماعي ومعطيات الفكر السياسي المعاصر. فلم تعد القيمة مجرد مثل فكرية وأخلاقية عليا بل يتم تناولها كقواعد قانونية وكممارسة قابلة للتطبيق في واقع فعلي يسعى لتحقيق العدل والمساواة والإنصاف.
تركيب المحـــــــور
وعموما، يمكن القول باتفاق الخطاب الفلسفي في الأطروحتين معا على ما يمثله الفرد البشري من مكانة وقيمة في وضعه البشري مع اختلاف في تحديد طبيعة تلك القيمة واختلاف في طريقة التناول الفلسفي ( كانط: فلسفة حديثة؛ راولز: فلسفة السياسة المعاصرة).
v المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية
إشكالية المحور :
إذا كان كانط يرى أن للإنسان قيمة مطلقة تلزمنا ان لا نعمله كوسيلة وان هذه القيمة مستمدة من كونه يتصرف وفق قوانين العقل وأوامره الأخلاقية، فان هذا الإنسان نفسه ينطوي على جانب آخر يتمثل في ميولا ته ونوازعه وحساسيته، مما يجعل الخضوع للقانون أمرا عسيرا وشاق، وهو ما يتجل في سلوك الناس في واقعهم الفعلي اذ يتصرفون بدافع من حبهم لأنفسهم وبدوافع حساسيتهم، بل أحيانا تأتي سلوكاتهم نتاجا لقوى نفسية حتمية غير عاقلة وخفية :
فهل الشخص حر فعلا ؟ ام انه يخضع لضرورات أخرى لها صلة بتكوينه النفسي والانفعالي كفرد؟ او لها صلة بتنشئته الاجتماعية وبظروفه الاقتصادية مثلا ؟ وإلى أي حد يمكن القول بقدرة الشخص على التحرر من هاته الحتميات والتوفيق بين الضرورات وبين إرادته الحرة ؟
1 - أطروحة فرويد : حتميات سيكولوجية ( = اللاشعـور)
يقدم فرويد معالم تصور جديد لبنية الشخص يندرج في إطار التحليل النفسي ويقدم على مبدأ اللاوعي باعتباره المبدأ الأساسي للحياة النفسية والموجه للشعور والوعي. واللاوعي هو تلك القوة النفسية اللاشعورية التي تتحكم في سلوكات الأنا التي تصدر بمعزل عن سلطة الوعي، وتتكون من الغرائز والرغبات والمكبوتات ورواسب الطفولة .
وقد ميز فرويد بين ثلاثة عناصر للبنية اللاشعورية :
- الهو : وهو خزان الغرائز واللذات ومحرض الاندفاعات الغريزية اللاشعورية او الدوافع التي تعرضت للكبت والقمع، وهي اما غرائز عدوانية او جنسية يحركها مبدا اللذة .وهو الأصل الفطري للذات في التحليل النفسي.
- الأنا : هو الجانب الواعي في شخصنا الذي ينشا عن إدراكنا لأنفسنا وإدراك العالم من حولنا ويتحدد دوره كوسيط بين رغبات الهو وضغوط الواقع محاولا التوفيق بين هذين الجانبين وبالتالي تحقيق توازن الشخصية .
- الأنا الأعلى: هو الممثل الداخلي للسلطة والرقابة الأخلاقية للفرد والتي تنشا عن طريق التربية واستدماج المثل العليا للمجتمع ويمثل مبدأ الضمير.
انطلاقا من معطيات هذا التحليل تبدوا أفعال الذات وسلوكاتها ذات طابع حتمي، فهي نتاج صراع بين قوى نفسية جبارة ( ثلاثة من السادة الأشداء) وتوازن الشخص وحريته رهينة بمدى قدرة الأنا على التوفيق بين المطالب الضاغطة الضرورية لهذه القوى.
هكذا، يذهب التحليل النفسي إلى القول بوجود نوع من الحتميات اللاشعورية السيكولوجية التي تسلب الأنا أصالتها وحريتها.
2 – أطروحة اسبينوزا : الضرورة الطبيعية والرغبة
يرى اسبينوزا انه ما من شيء يحدث في الطبيعة إلا وهو خاضع للضرورة، فكل شيء مجبور من قبل الطبيعة الإلهية على أن يوجد ويتصرف بطريفة مخصوصة بما في ذلك الانسان، على اعتبار أنه كائن راغب بالتحديد، تتحدد سلوكاته أساسا بالرغبة كمكون جوهري يظل يحايثه في جميع المجهودات والأفعال والاندفاعات التي تصدر عنه في وجوده. وعلى ذلك، فالإنسان يقع في وهم يصعب التخلص منه حين يعتقد ان الضرورة الطبيعية لا تشمله وان أفعاله صادرة عن إرادة حرة : ذلك انه لو كان يملك المقدرة على الفعل والتصرف انطلاقا من قرارات حرة لإرادته لما كان يأسف غالبا على ما يفعله ولما قام بافعال سيئة منذ البدء
يبرز اسبينوزا ان الناس يعتقدون أنهم أحرارا لمجرد ان لديهم وعيا بأفعالهم وتصرفاتهم في حين يجهلون تماما العلل التي تسبب هذه الأفعال وتحددها ( الطفل يعتقد انه يرغب في الحليب بقرار منه ، الغاضب يعتقد انه يريد ان .....والثرثار...). ان القرارات والمجهودات التي يعتقد الناس انها صادرة عن إرادتهم الحرة إنما هي الشهوات والرغبات التي تتحكم فيهم وتدفع إليها علل معينة تظل مجهولة من قبلهم.
- ضرورات ثقافية – اجتماعية: بالإضافة إلى الحتميات السيكولوجية يمكن الحديث مع باقي العلوم الإنسانية عن عوامل وضرورات حتمية أخرى تشرط الوضع البشري للإنسان كالعوامل الاجتماعية ، اذ يمثل المجتمع مصدر سلطة على أفراده، الذين يعملون على استدماج معطياته الثقافية والاجتماعية والقانونية من قيم وعادات ورموز وأعراف وقوانين... فتاتي سلوكاتهم وأفكارهم نتاجا حتميا لتلك المحددات. ويعمل المجتمع من خلال التنشئة الاجتماعية على صياغة أفراده من الناحية الفكرية والوجدانية والسلوكية وذلك وفق نموذج محدد سلفا باعتباره "النموذج المفضل"، فتأتي شخصياتهم نمطية أكثر تركز على السمات المتشابهة، ونتيجة لذلك تنمحي معها الميول الشخصية والفوارق الفردية لصالح نسق فوقي يذيب خصوصيات الأفراد.
في نفس السياق أيضا، تذهب بعض التحليلات والمقاربات العلمية والفلسفية ( كالبنيوية) الى التعامل مع الفرد البشري ككائن منفعل و ضعيف خاضع للعوامل الخارجية المادية كالأحداث والأوضاع الاجتماعية والعوامل الاقتصادية باعتبارها بنيات منتظمة تقذف بالإنسان داخل علاقاتها الصارمة وتفقده القدرة على الفعل والقدرة على حماية خصوصيته وفردانيته وبالتالي قدرته على التحرر منها او تجاوزها.
ان هذه العوامل تفرض إكراهاتها على الفرد ، فتعامله كموضوع وكمعطى خارجي أو كجزء من بنية أقوى منه/ في الاتجاه الذي تنتفي فيه إرادته الحرة ؛ فإلى أي حد يمكن للفرد تجاوزها والتحرر منها لاختيار نمط خاص في الوجود ؟
3 -الأطروحة المخالفة : مونيي : الشخص كائن مبدع وحر
في مقابل النزعات التشييئية للعلوم الإنسانية التي ركزت على تعريف الإنسان كموضوع وشيء خارجي وسعت إلى تناول الكائن الإنساني من زاوية وضعية النفسي والاجتماعي ، يقدم الفيلسوف الفرنسي إيمانويل مونيي تصورا شخصانيا للإنسان يدافع فيه عن الخصوصية والفردية والإرادة الذاتية للشخص معتبرا أن هذا الأخير لا يمكن تعريفه كحقيقة أو واقعة خارجية لأنها تسقط في مأزق نفي حريته، بل كحقيقة روحية مطلقة لا يمكننا فحصها كمعطى خارجي. إن الأشياء والموضوعات الخارجية اللاشخصية أو المادية هي وحدها التي تقبل التعريف. أما الشخص بخلاف غيره من الكائنات والأشياء والوقائع يتميز بخصوصيته وسماته الفردية المطلقة التي تستعصي على التحديدات الموضوعية التي تميل إلى إقامة التطابق بين الأشياء، فلا يمكن لأي شخص أن يقوم مقامه. ولهذا، فهو ليس وسيلة أو شيئا قابلا للاستبدال، لان له بعدا داخليا روحيا يحياه ويعيشه دون أن يشاركه فيه احد، وهذا البعد يتمثل في النشاط الخلاق والإبداع الذاتي الذي لا يتوقف. من هنا فان انتماء الشخص إلى جماعة لا يتنافى مع حرية و يلغي ذاتيته وخصوصيته بل يمثل على العكس من ذلك تجربة غنية لتطوير ميولاته عبر سيرورة من عمليات شخصية لا تهدأ ولا تتوقف . أن حرية الإنسان تلزمه على ان يأخذ مصيره على محمل الجد، وأن يختار وضعه البشري من خلال أنشطة الإبداعية التي لا ينبغي أن تتوقف.
خلاصات:
v الشخص مبدأ مميز للكائن الإنساني وحده دون غيره من الكائنات الأخرى فهو يتحدد كذات تتوفر على هوية شخصية قد تكون مستمدة من الجوهر الفكري او قد تكون محصلة للعمليات الشعورية وهي هوية بالرغم مما تتسم به من وحدة وثبات وتماثل من الناحية المبدئية، فإنها لا يجب أن تختزل الشخص إلى جوهر ثابت، فالهوية الشخصية تقبل التعدد والمغايرة والاختلاف والتطور.
v ان كل فرد باعتباره شخصا يدرك نفسه كذات لها مكانة وقيمة تميزها عن الموضوعات والأشياء والحيوان، وبالرغم من الاختلاف الحاصل بين الفلاسفة في تحديد طبيعة قيمة الشخص بين كونها قيمة مطلقة ( كانط .مونيي ) تحيل على الإنسان كذات مطلقة وغاية قصوى، أو كونها نسبية مرتبطة بشروط عقلية واجتماعية وسياسية وأخلاقية (راولز ) فيبقى أنها تحيل إلى الشخص كذات واعية ومسؤولة تتجاوز بعدها الطبيعي البيولوجي .
v ان الشخص بوصفه جزءا من تجربة بشرية جماعية يخضع لإكراهات وشروط موضوعية حتمية، لكنه من خلال الوعي بها وبفضل ملكاته قادر على التحرر منها وتجاوزها في الاتجاه الذي يؤدي إلى حفاظه على خصوصيته وإبداعه وتميزه.
الثانوية التأهيلية م.إسماعيل - الدار البيضاء. الأستاذ: الزهيدي عبد الفتاح
Nos points forts : un lycée modèle | Par Enseignant |
Article : une journée pour la pédagogie | Par Enseignant |
Article : le respect de l'autre | Par Enseignant |
J'aime mon lycée : comment rendre la vie agréable au lycée | Par Enseignant |
Article : la journée internationale de l'environnement | Par Enseignant |
|
|
|